القائمة الرئيسية

الصفحات

  

تجربتي مع مرض باركنسون- الشلل الرعاش
تجربتي مع مرض باركنسون- الشلل الرعاش

مقدمة

لا يخفى على أحدٍ أهمية نقل التجارب في مختلف المجالات، فالإنسان يظل بحاجة لأن يتعلم من تجارب الآخرين، فربما يخفف ذلك من آلامه لو أنه أحاط بتجربة غيره، وكما قيل: إن في التجارب علمًا مستحدثًا.

محتويات الكتاب

الكتاب جاء في عدد (120) صفحة وخمسة فصول، ومقدمة، وخاتمة.

الفصل الأول نتعرف على فيه على الكاتب الذي أصيب بمرض باركنسون- الشلل الرعاش، من خلال وصف مشاعره وأحاسيسه في الغربة، وملامح شخصيته، وذكريات السنوات التي مضت من عمره.

الفصل الثاني نعيش معه بدايات ظهور أعراض مرض باركنسون- الشلل الرعاش، وصعوبات تعامله مع ضروريات الحياة، والأجواء التي عاشها لحظة بلحظة.

اقرأ أيضا مايجب أن تعرفه عن مرض باركنسون- الشلل الرعاش.

الفصل الثالث سنتعرف على تأثير المرض عليه، وكيف استطاع أن يتعايش معه.

الفصل الرابع فيه بعض الحكم البليغة واللطائف المفيدة من تجربته مع مرض باركنسون.

الفصل الخامس رسالة لكل ابن وحفيد ليزدادوا حبًّا، وفهمًا ورعاية لآبائهم وأجدادهم الذين ابتُلوا بمرض باركنسون.

ومن ثم كانت الخاتمة ترنيمة أمل، ودعوة للتفاؤل لكلِّ مريض أصاب جسده تعب مذهل، أو مرض مقعد، أو حلَّ بروحه يأس قاتل.

اقتباسات من الكتاب

اقتباسات الفصل الأول

"جلست متأمّلًا تلك السنوات التي مضت من عمري، وهي تلوح لي بعيدًا، بين عدد لا نهائي من الذكريات، والمشاعر المتضاربة".

"لن يشعر بما يجيش في صدري إلّا من تغرَّب عن بلده، وغاب عن أهله وأصحابه وجيرانه لسنين طويلة، فالغربة خط فاصل، فحياتك قبل أن تسافر قصة، وبعد السفر رواية".

"فالتغرب يشعرك وكأنك تحمل ثقلًا كبيرًا على كتفك، وتسير به طيلة الوقت، غير مدرك أين ومتى ستضع هذا الثقل! إنه ثقل راكمته سنون طويلة من الغربة عن الوطن والأحباب".

"تراءت أمام عيني مئات الصور المتداخلة من الماضي، تستعيد ملامح ومحطات حياتي دون ترتيب، من أين تأتي هذه الصور كلها دفعة واحدة، أغلقت عيني، وسبحت معها مستسلمًا لهذا العبور الكوني الرهيب". 

اقتباسات الفصل الثاني

"هذا هو الليل الذي تغنَّى له وبه وفيه الشعراء، أما ليلي أنا، فقد أصبحت أشتكي منه كما اشتكى امرؤ القيس، فقال:

           وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ ... عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الْهُمُومِ لِيَبْتَلِي

فقد أرخى ليلي علىَّ بالكوابيس والأحلام والأرق، وأصبحت في الكثير من الأحيان أستيقظ من نومي وأنا أشعر بضيق وانقباض شديد ولم أتحدث مع أحد بخصوص هذه الأحلام، رغم معرفة زوجتي وأبنائي معاناتي منها، فكم من مرة أفزعهم صوت صرخاتي وأنا نائم! أو لاحظوا حركة غير عادية من ذراعي، أو رجلي أثناء نومي، لاعتقادي أنها هلوسة، أو أضغاث أحلام لا يمكن تفسيرها، ولا سَبْر معانيها، ولكن مع تكرارها، ممّا جعلني أستمر في البحث حول هذه النقطة، فعثرت على احدى المقالات تذكر أن أحد خبراء النوم، يوصي مَنْ يحلمون بأنهم يُطاردون، أو تتمّ مهاجمتهم بأيِّ شكل من الأشكال، بأن يقوموا بتتبُّع أعراض الشلل الرعَّاش، أو مرض الزهايمر؛ لأن هذا الحلم ربما يشير إلى إصابتهم بأيٍّ من المرضين".

"انتابني بعض القلق، سألت نفسي؟ هل حقًّا صوتي صار رقيقًا وضعيفًا ومنخفضًا؟ وما سبب تلك البَحَّة والشرْقة، وهل هي عارض لحظي؟ أم أنه عارض لمشكلة مرضية لم ألاحظها؟ أم نتيجة الكسل والملل من رتابة الأيام في الغربة؟".

"عندما عدتُّ إلى مكتبي شعرت بأن وخز الألم في يدي اليسرى قد عاد من جديد ــ أو ربما لم يختفِ من الأساس ــــ وامتدّ ليشمل جانب جسمي الأيسر نزولًا حتى أصابع قدمي.. كان الأمر محيّرًا، ولم أستطع أن أقرر هل يجب عليَّ القلق، أم لا".

"أخرجت ورقة وقمت بالتوقيع عليها، وأمعنت النظر فيها، فبدا لي فعلًا أن الأحرف صغيرة، وكذلك المسافات بين الكلمات، ثم لاحظت أن هناك رعشة خفيفة في يدي".

"منذ متى هذا التغيير، ولماذا لم ألاحظه من قبل؟ ربما لأني لم أستخدم توقيعي منذ فترة، وكذلك أستخدم الكمبيوتر في الكتابة، فلم ألحظ هذا التغيير؟".

"مررت على المخبز في طريق عودتي من العمل لأشتري بعض الخبز.. وقفت في صف الواقفين أمام طاولات الخبز، بعد أن أخذت بعض الأكياس البلاستيكية لأضع فيها الخبز.. حاولت فتح أول كيس، فلم يستجبْ لي، ولم تطاوعني أصابعي في فتحه، وضعته بين راحة يدي اليسرى، وباليد الأخرى حاولت مجدّدًا، فلم أنجح في فتح طبقاته الملتصقة...طال الوقت!".

"وفي الأشهر الأخيرة، بدأت أشعر بالتعب بعض الشيء، وأمشي بخطًى أقصر، ولاحظت بطء حركتي، وعدم تأرجح ذراعي الأيسرـــ كما هو الطبيعي ــــ بحرية، بل صار ملتصقًا بجسدي".

"عدتّ إلى الغرفة لأرتدِيَ ملابسي.. بدأت بارتداء الملابس الداخلية.. " الفانلة " أدخلت فتحتها العلوية في رأسي.. حاولت سحبها إلى بقية جسدي، فلم أستطع، علقتْ فتحتُها عند الكتفين.. حاولت مجدّدًا، فلم أنجح".

"جلست على حافة السرير لزمن خِلْته أبديّة لا تنتهي.. دامت هذه الوضعية العَصِيّة على الوصف خمس دقائق.. خمس دقائق هي جملة تُكتب بالسرعة نفسها التي تنطق بها، فنحن لا نحتاج إلى أكثر من ربع ثانية لنطق هاتين الكلمتين، ولكن لا أحد بإمكانه وصف تلك اللحظات".

"اعتدلت في جلستي ببطء مُنهك، كانت يدي ترتعش أكثر، وصوت اصطكاك أسناني يرن في أذني، وعرقي يسحّ من جبيني وعنقي، كنت أشعر بأن قواي تضعف شيئًا فشيئًا، كلما كررت المحاولة".

"هل جربت الإحساس يومًا.. أن تكون مفعمًا بالقوة والحيوية في لحظة، وعاجزًا فعليًّا في اللحظة التالية، أن تكون في أوج صحتك في لحظة، وواهنًا ضعيفًا في اللحظة التالية، فإن تغيّرا كهذا، وحالة فجائية كهذه يصعب استيعابها، ويبحث العقل عن تفسيرات".

  • عندما تستيقظ في الصباح، فتخذلك قدماك، وتخونك قوتك.
  • عندما ترتجف يداك، ويصيب عضلاتك الوهن.
  • عندما تأخذ وقتًا أطول من الطبيعي عند تهذيب ذقنك، وتنظيف أسنانك، وتمشيط شعرك.
  • عندما ترتعش يداك وأنت تمسك بالملعقة، فيتناثر الطعام على المائدة، أو ملابسك.
  • عندما تعجز عن غسل الكوب الذي شربت منه، والإناء الذي أكلت فيه.
  • عندما تجد صعوبة في ارتداء ملابسك، وتزرير قميصك.
  • عندما تبذل جهدًا مضاعفًا لارتداء جواربك، وعقد أربطة الحذاء.
  • عندما يصبح المشي صعبًا، والتوقف والاستدارة أصعب.
  • عندما تخترقك نظرات الآخرين، وتلسعك تعليقاتهم، وتحرقك همهماتهم.
  • عندما يستعجلك سائق السيارة في الركوب، أو عند النزول.
  • عندما يصبح النوم صعبًا، والتقلب في الفراش معاناة.
  • عندما تستيقظ فزعًا، فلا تجد بجوارك مَنْ يهدّئ روعك، ويسكّن فزعك.

فظهور هذه الأعراض قد فتح باب الهواجس، لم يكن الجسد وحده هشًّا وواهنًا، بل غدا التفكير في الأيام القادمة سؤالًا يطاردني، وخوفًا أتجنب الحديث عنه، أو التمعّن فيه.

ما الذي يحدث؟ ماذا أصابني؟ هل هي حالة مؤقتة؟ أم مرض مزمن؟ ما هذه الارتعاشات؟ أهي ارتعاشات خريف العمر، ومظاهر الشيخوخة؟ هل ستتغير حياتي؟ ماذا أنا فاعل؟

اقتباسات الفصل الثالث

"ظهر أمام عيني مشهد كئيب لما سأكون عليه في قادم الأيام، وكلما حاولت أن أبعده، عاودني من جديد مشهد إنسان مقعد في البيت، غير قادر على المشي الطبيعي يتوكأ على عصا، فيضجر مني الأهل، ويملّني الأصدقاء، كما قال عروة بن الورد:

أَلَيسَ وَرائي أَن أَدِبَّ عَلى العَصا               فَيَشمَتُ أَعدائي، وَيَسأَمُني أَهلي

رَهينَةُ قَعرِ البَيتِ كُلَّ عَشِيَّةٍ                    يُطيفُ بِيَ الوِلدانُ أَهدُجُ كَالرَألِ

"وعاد برأسه إلى الخلف قليلًا، ثم عقد يديه على صدره، وقال بصوت هادئ: التاريخ المرضي، والأعراض التي ذكرتها، والفحص الآن.. كل هذا يؤكد على أنه مرض "باركنسون".

"فما أن سمعت كلامه، حتى انقبضت عضلات وجهي رغمًا عني، وتقطّب جبيني، وظهرت علي وجهي علامات القلق والتوتر، وأحسست بحالة من الارتباك اللحظي، لقد قُضيَ الأمر، وصار واضحًا الآن، فالتقطت كوب الماء، وبللت شفتاي، ورفعت رأسي إلى السماء، ووجدتني أردّد بصوت خافتا: الحمد لله.. الحمد لله".

"عندما بدأـت في تناول الأدوية التي وصفها الطبيب، كانت المفاجأة، حيث أحسست بسريان ما يشبه تيارًا كهربائيًّا في عضلات مؤخرة رقبتي وكتفي اليسرى، وزوال التخشب والتصلب رويدًا رويدًا، ووجدت اختفاءً ملحوظًا للرجفة، وعقلي بدأ يتفتح مهيّئًا خلايايَ لاستقبال ذلك الأكسير السحري الذي يعيد لها الحياة والنشاط، وبدأت في استعادة حياتي ونشاطي. كنت أسمع جسدي يصرخ طالبًا الدواء إن تأخرت عن موعده، ثم أسمع سيمفونية الدواء تصدح في داخلي".

الدروس العشرة المستفادة من مرض باركنسون

  1. يجب أن تعرف كلّ شيءٍ عن مرض "باركنسون"، فالمعرفة أصل كلّ شيء.
  2. اختر طبيبًا منصتًا، مراعيًا لمشاعر المرضى، وتابع معه.
  3. التوقيت مهم في الحياة؛ ولكنه خطير في مرض "باركنسون
  4. انس مشاكلك بالنوم، واحرص على أن تنام سبع ساعات، أو أكثر ليلًا
  5. لا تسمح للمرض بأن يستهلك، أو يتحكم في حياتك، وحوّل الوضع لصالحك.
  6. لا تدع المرض يهزمك، وكن حاسمًا في علاج الاكتئاب.
  7. ابحث عن الطرق والوسائل والعلاجات المخفِّفة لمرضك، ولا تُضِعِ الوقت في البحث عن الشفاء التام، واحذر بائعي الأوهام الذين يتاجرون بآلام المرضى، بالإعلان عن طرق ومواد للعلاج من مرض "باركنسون"، لا تستند إلى أيِّ دليل علميّ.
  8. اهتم بحركتك تدُمْ عافيتك وتستمر سعادتك، وعليك بالمشي، ثم المشي، ثم المشي.
  9. ولا تنْسَ "أن في الحركة بركة".
  10. حدِّد أهدافك التي يمكنك بلوغها، وكيِّفْ أولوياتِك التي يمكنك تحقيقها ضمن قدراتك الحالية.

اقتباسات الفصل الرابع

علّمني المرض أن مريض باركنسون- الشلل الرعاش يحتاج إلى عناية خاصّة من الأشخاص المحيطين به والمجتمع، الأمر ألّا تغلق الباب أمام الآخرين لمساعدتك، بل اتركه مفتوحًا ليستطيعوا الدخول منه لتقديم الدعم عندما تكون مستعدًّا، فقد يفاجئنا الآخرون بمقدار الدعم الذي يمكن أن يقدموه لنا، ومن حيث لا ندري، وبدون أن نطلب منهم.

اقتباسات الفصل الخامس

ربما لا يدرك الكثيرون أن مريض باركنسون شخص طبيعي، لديه إدراك كامل لما هو حوله، والتعامل معه يجب أن يكون طبيعيًّا مع مراعاة خصوصيته. فلا تضعه في مواقف محرجة، بالتحديق به أو بيديه، لا تظهر أمامه أنك مشفق عليه، أو تخدمه كنوع من الإحسان أو العطف، أو تشعره بأنه أصبح على هامش الحياة.


ما يهم مرضى "باركنسون"، هو أن يقترب منهم كل متعامل معهم، فيعرف عنهم، ويرفق بهم، وكل ابن يمعن في خدمة أبويه، وكل حفيد يزداد حبًّا لجده.

وخلاصة تجربتي 

  1. لا تشعر باليأس والأسى، وارضَ بما قدره الله لك.
  2. ولا تجعل سعادتك مشروطةً بزوال مرضك، بل تعايش معه؛ لأن نظرتك إلى الحياة هي التي تُحوِّل الآلام إلى آمال، والأنَّات إلى ألحان ونغمات.
  3. ولا تقنع نفسك بالعجز وعدم القدرة على القيام بالأشياء التي تحب القيام بها، فأنت ستكون كما أقنعت نفسك، فإن أقنعتها بالعجز فأنت كذلك، وإن أقنعتها بالقدرة والقوة فأنت كذلك.
  4. وثق أن في كل مشكلة تصيب الإنسان هناك جانب مضيء، وهناك باب مفتوح إذا استطاع أن يجده، فسوف يتجاوز العقبات، وينجح بعد توفيق الله.
  5. وردد بكل ثقة ويقين:

سأمضي في الحياة بالأمل والتفاؤل ودعم ومساندة أسرتي ودعائهم.

 دمتم بصحة وعافية


تعليقات

التنقل السريع